545454
545454
روضة الصائم

تقنين الاستخدام وتفعيل الرقابة الأبوية.. خيارات تحمي أطفالنا

24 أبريل 2021
24 أبريل 2021

الأطفال والأجهزة الإلكترونية في ظل الجائحة -

«عمان»: يعد «التسييب» الإلكتروني - إن صح التعبير - من أبرز مظاهر التسييب للأطفال في الوقت الحالي، حيث يقوم بعض أولياء الأمور بتسليم الأجهزة الإلكترونية لأطفالهم دون متابعة أو مراقبة بداعي مسايرة العصر أو الثقة في أبنائهم، أو حتى بدعوى أهمية الاستخدام من أجل التحصيل العلمي خاصة في وقتنا الحاضر الذي تحول فيه التعليم من الحضور المدرسي إلى التعليم عن بعد بحكم الجائحة التي غزت العالم وغيرت في الكثير من مسارات حياته، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات ضارة بالطفل والأسرة والمجتمع. اليوم في روضة الصائم أجرينا استطلاعا حول هذا الموضوع من جانب نفسي واجتماعي وجانب تقني وجانب قانوني.

بداية بَين خلفان بن سالم البوسعيدي (مرشد نفسي وأسري) الموضوع من جانب نفسي قائلا: نحن نعيش في عالم أصبح الارتباط بالأجهزة الإلكترونية فيه أمرا لا مفر منه. في السنوات الأخيرة غزت هذه الأجهزة البيوت بشكل ملحوظ، فأصبح جل أفراد الأسرة إن لم يكن كلهم يقتنون هذه الأجهزة، ويتصفحون المواقع التي تحلو لهم، ويلعبون الألعاب التي تتناسب وأذواقهم وميولهم. وأود تبيان أثر التسييب الإلكتروني الذي تقوم به الأسر، من خلال تسليم أطفالهم تلك الأجهزة بصورة غير مقيدة بشروط أو بوقت، مما يؤثر سلبيا على تكوينهم النفسي، وميولهم الاجتماعية.

إن من آثار الفرط والتسييب في استخدام تلك الأجهزة من قبل الأطفال: التشتت الذهني، والانطواء، والميول نحو العزلة الاجتماعية؛ لأن تلك الأجهزة تعمل على تقنين ارتباط المستخدم بالبيئة المحيطة، وتوجيهه نحو هدف ومكان ونشاط معين، مما يؤثر على الكيمياء الدماغية للفرد، فأصبح توجيه الفرد بشكل عام وتركيزه منصبا نحو تلك الألعاب لا غير. فيؤثر ذلك على البيئة المحيطة، وعلى نشاطه التفاعلي، مما يجعله فردا غير قادر على أن يكون من الأفراد الفاعلين المنتجين، والذين تربطهم علاقات اجتماعية وثيقة مع بني جنسهم.

كما أننا لا نغفل عن الآثار النفسية الناجمة عن سوء استخدام تلك الأجهزة، فيما تسببه من مشاعر قلق وخوف؛ نظرا لما تحويه تلك الأجهزة من ألعاب تشجع على العنف والاعتداء والتعدي على الآخر بصورة انتقامية، فكم من قضية سمعناها، وقصة عشنا تفاصيلها في بيوت كانت تنعم بالأمان، فعملت تلك الأجهزة على تقويض العلاقات، فالأطفال عموما يتأثرون بالكثير من الأفعال والقليل من الأقوال، فماذا عساه فاعل عندما يكون شغله الشاغل جهازا لوحيا لا يرى فيه إلا مشاهد العنف والاعتداء والاستيلاء واستباحة الدماء في بعض الأحيان.

من جانب آخر نستطيع القول إن تقنين استخدام هذه الأجهزة له من الفوائد الكثير، التي يجهلها الكثير وللأسف الشديد، فمن فوائده توجيه الطفل وتنمية إدراكه العقلي والثقافي، والتوسع في المعلومات. لذا على الأسرة أن تحرص على التقنين المسبق لاستخدام هذه الأجهزة، وأن تكون متابعة للنشاطات التي يميل إليها أطفالهم، كما أن عليهم أن يعطوا أطفالهم هذه الأجهزة والجلوس معهم؛ حتى يدرك الأطفال أن وجود الآباء بحضرتهم إنما هو خوف عليهم، ودليل مكانتهم وحبهم، والخوف من انجرارهم نحو قيم وأخلاق لا تمت لمجتمعاتنا المحافظة بصلة.

من جانبه تحدث المهندس خالد بن ناصر الكندي (مهندس حاسب آلي) عن الأطر والضوابط التقنية المساعدة في الحد من التسييب الإلكتروني وحماية للأطفال قائلا: يشكل الإنترنت عنصرا أساسيا في حياتنا اليومية، بالكاد لا يخلو منزل من خدمة الإنترنت، وفي وقتنا الحالي تمضي العائلة وأطفالها وقتا أطول عبر الشبكة العنكبوتية، نظرا للظروف التي فرضتها علينا جائحة كورونا (كوفـيد-١٩)، والإجراءات الاحترازية التي اتخذت لتقليل من انتشاره، لذلك يجب تعزيز دور المتابعة والتوجيه في الاسـتخدام الأمـثل لشـبكة الإنترنت والدور الكبير مناط عـلى الوالدين فـي متابعة أبنائهم وكيفية تـوجـيهم للاستخدام

الأمثل والاستفادة من أوقاتهم وحمايتهم من العادات والسلوكيات الدخيلة على مجتمعنا ويتحقق ذلك عبر:

1 - بـناء الـثقة بـين الوالدين والأبناء بالتفاعل اللطيف والداعـم لهم، وإرساء قواعد كيفية استخدام أجهـزة الاتصال، مع ضبط مواعيد الاستخدام.

2 - استغلال التقنيات الحديثة مـن أجل حمياتهم، ومتابعة ممارسـتهم عـبر شـبكة الإنترنت، على سـبيل المثال البرامج المدمجة التي تقدمها شركات الاتصالات للأفــراد عبر مجموعة من خدمات «المتابعة الأبوية» ولما لها من تحسين سـلوكيات وممارسات الأبناء عـبر فضاء البيانات والتطبيقات الذكية وقنوات التواصل الاجتماعي، مما يحقق نتائج إيجابية في استخدام شبكة الإنترنت.

3 - الجلوس مع أفراد العائلة وخاصة الأطفال أثناء اسـتخدام شـبكة الأنترنت، وتـشجيعهم عـلى اسـتخدام الموارد التعليمية المفيدة على شبكة المعلومات.

4 - تفعيل خـصائـص الرقابة الأبوية المتوفرة في الهواتف الذكية، عــبر ضبط إعدادات الخصوصية التي بدورها تقلص جمع البيانـات إلى حد مـا، وأما بـالنسـبة للأطـفال الصغار فيمكن اسـتخدام أدوات فاعلة للرقابة الأبوية، وخاصة في تحديد طرق البحث الآمن ومشاهدة المحتويات التي تتناسب مع أعمارهم من مقاطع مرئية وصوتية ومعلومات بحثية.

5 - تشجيع العادات الصحية للأبـناء في استخدام الإنترنت، إذ يـمضي الأطفال وقتاً أطول على الشبكة العنكبوتية، مما يؤثر على سـلوكـياتـهم حـيث ظهر مؤخراً مصطلح التنمر الإلكتروني عـبر الإنترنت نتيجة المـحتوى غير المـلائـم الـذي يتابعه الأطفال، عبر رسائل غير مباشرة بالإعلانات التي تروج عن عادات ضارة بصحتهم وتؤثر على تفكيرهم.

6 - تشجيع الأطفال على استغلال الأدوات الرقمية التي تجعلهم يمضون وقتاً ممتعاً في البيت، وتنمي مهاراتهم وقدراتهم وهوايتهم وتعزز الابتكار والبحث وحب المعرفة لديهم. وفي الختام تذكر تحقيق التوازن بين الأنشطة الفعلية وبين الترفيه عبر شبكة الإنترنت

واختتمت روضة الصائم هذا الاستطلاع باستطلاع الأمر من جانب قانوني حيث أشار محمد بن علي المرزوقي (محام عليا، مساعد المدعي العام سابقا): لقد عنيت التشريعات الحديثة ببيان وتنظيم حقوق الأطفال لا سيما من المخاطر المحتملة عليهم، ولكن التحدي الأبرز في عصر وسائل التقنية هي التنقية للطفل بين الغث والسمين القادم إليه من الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، في زمن لم يصبح لأي طفل بدٌ من الاتصال بها، إذ هي الآن وسيلة التعليم النظامي، ووسيلة الترفيه و مرتع الاصدقاء ونادي الأقران بل هي وسيلة الاتصال مع أفراد الأسرة ولها من الضرورات والمنافع مالا يحد ولا يرد كما أن استبعادها من حياة الأطفال لم يعد مطروحا على كل حال، ولكن تعتني هذه الكلمات بإبراز مسؤولية الوالدين في مراقبة استخدام أبنائهم لتلك الأجهزة، وما فيها، وتواصلهم مع الغرباء سواء من خلال الألعاب الإلكترونية أو غرف الدردشات، أو تطبيقات التواصل المختلفة. وتحديد ذلك التواصل نوعيا من خلال التطبيقات المعينة عليه، أو من خلال تحديد مكان وزمان الاستخدام، مع تعهد الطفل بالتوعية المستمرة والمراقبة والاحتواء وبناء الثقة والاستماع لبوحه وتوفير الاستقرار النفسي له مما يعزز مقاومته الذاتية والداخلية لما يمكن أن يتعرض له من محتوى مسيء عبر تلك الأجهزة والوسائط . لقد سمحت لي طبيعة عملي السابقة بالاطلاع عن كثب على الكثير من الابتلاءات التي وقعت على الأطفال في أعراضهم وصحتهم الجسدية والنفسية وسلامتهم الأخلاقية، وسمعت من عبارات الندم و الشعور بالتقصير من الوالدين الكثير ولكن ولات حين مندم .

ولقد اتخذت بصفتي الوظيفية سابقا قرارات أعدها غاية في الصعوبة ولكن فرضها الواجب تجاه أولياء الأمور المقصرين أو المهملين في حق أطفالهم سواء بتسييبهم أو إهمالهم أو تعريضهم للجنوح، عندما نصل إلى قناعة بأن ذلك الإجراء هو آخر الدواء . يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته « هذا الأصل الكبير الهام في مسؤولية الراعي على رعيته على أي وجه كانت، تلك الرعاية تعد منطلقا أصولياً لتفريع الأحكام الكثيرة منها وفق واقع الناس من حيث الزمان والمكان والحوادث والمستجدات ولذلك نجد لهذا الواجب الشرعي نظيرا في الواجبات القانونية إذ نصت المادة (278) من قانون الجزاء على أنه « يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (10) أيام ولا تزيد على (6) أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال ولا تزيد على (500) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مكلف برعاية طفل لم يكمل ( 18) من عمره أو شخص عاجز عن رعاية نفسه بسبب حالته الجسدية أو النفسية أو العقلية فامتنع عن رعايته أو أهمل أو قصر فيها.»

وتنص المادة ( 27) من قانون حماية الطفل على أنه « للطفل الحق في التربية و البقاء و النمو في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية وتقع مسؤولية ذلك على عاتق ولي الأمر»

وتنص المادة ( 3 ) من قانون مساءلة الأحداث على أنه يعتبر الحدث معرضا للجنوح في حالات منها : « إذا وجد في بيئة تعرض سلامته الأخلاقية أو النفسية أو الجسدية أو التربوية للخطر « وتعاقب المادة (31) من القانون ولي الأمر إذا ساعد أو سهل تعرض ابنه للجنوح بالسجن إلى ثلاث سنوات.

يتقدم التسييب الإلكتروني للأطفال من حيث تضمنه معاني الإهمال والتقصير في الرعاية، والتقصير في التربية، والتعريض للخطر الواردة في القوانين. يتقدم وبكل أسف مشهد الحياة المعاصرة لا سيما في ظل جائحة كورونا، التي قللت من الخيارات المتاحة في وسائل التعليم والترفيه، فاندفاع الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط التقنية من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، وبلا شك أن ذلك أثر سلبياً على نفسياتهم لا سيما في أوقات الحجر الصحي أو أوقات تقييد ومنع الحركة، لكن الحياة جبلت على المصاعب. لذلك وجب علينا جميعاً النهوض، والتصدي، وعدم التخلي عن واجباتنا.